Gaza Project

"سأقتلك إن وقعت عيناي عليك" المستوطنون والعنف في الضفة الغربية

 كجزء من مشروع غزة، أكملت منظّمة قصص محظورة وشركاؤها عمل الصحفيين الذين تعرّضوا لاعتداءات أثناء تغطيتهم الصحفية للتوسع الاستيطانيّ في الضفة الغربية وتهجير مجتمعاتها البدويّة.

(تصميم: ميلودي دا فونسيكا)

النتائج الرئيسيّة:
  • يصف صحفيو الضفة الغربية المناطق التي تتفاقم صعوبة الوصول إليها بسبب هجمات الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، فضلا عن الحواجز والتهديدات المختلفة.
  • منذ أن هجَّر الجيش الإسرائيلي المجتمعَ البدويّ من وادي السيق، تشهد المنطقة بناء بنية تحتيّة استيطانيّة جديدة.
  • أعلن المستوطنون الإسرائيليّون على صفحات الإنترنت عن توسعات جديدة غير قانونيّة، كما أدرجوا بعض العقارات على موقع Airbnb، زاعمين أن شرطة مقاطعة فيرجينيا قد أرسلت لهم عتاداً.

 فينياس روكير ويُسر يوسف (FS)

June 25, 2024

بمشاركة: أورين زيف (+972 Magazine) وجيك جودان (Bellingcat)، وصوفيا الفريز جيراردو ووليد بطراوي (FS)

في الحادي عشر من أكتوبر/تشرين الأول لعام 2023، وصل عمري عيران-فاردي إلى وادي السيق، وهو مجتمع صحراويّ يقع على سفح التلة في الضفة الغربيّة شرق رام الله بين مراعٍ للأغنام وتلال منحدرة. وقد نما إلى علم عيران-فاردي، المصور الصحفي الإسرائيلي، فور وصوله تهديدات المستوطنين الإسرائيليين للمجتمع البدوي المقيم في المكان بالإخلاء، والذي يبلغ عدد سكانه نحو مئتي شخص.

حينها شرع عيران-فاردي، الذي وافق على مشاركة حسابه علنًا مع مجلة +972، شريكتنا في هذا المشروع، في توثيق عملية الإخلاء وفي الحديث مع السكان.

 

الصور التي شاركتها “قصص ممنوعة” تظهر إخلاء مستوطنة بدوية في وادي السيق. تصوير: عمري إيران فاردي.

عاد الصحفي في اليوم التالي إلى وادي السيق بعد أن أمضى ليلته في تجمّع فلسطيني مجاور. وفي لحظة ما بعد الظهر، وصل إلى وادي السيق مستوطنون إسرائيليّون بصحبة جنود ملثّمين من وحدة حدود الصحراء، التابعة للجيش الإسرائيلي التي تتألّف في معظمها من مستوطنين مجنّدين “من قمم التلال”، معروفين بعنفهم إزاء الفلسطينيين. بدأت عملية الإخلاء حينئذ تتّخذ طابعاً جديداً؛ حيث شرع الجنود في استعمال العنف ضد الأهالي، وفي بعض الحالات لجأوا إلى تعذيب السكّان وحبسهم.

في جزء آخر من قرية وادي السيق، تم اعتقال فلسطينيين من قبل المستوطنين الإسرائيليين والجنود. الصورة مأخوذة من وسائل التواصل الاجتماعي

 الفيديو (لقطة الشاشة هنا) والصورة المأخوذة من وسائل التواصل الاجتماعي هما بمثابة التوثيق القليل الموجود للهجمات التي وقعت في ذلك اليوم

الناشط والمصور الصحفي الإسرائيلي عمري إيران فاردي يروي ملاحقته من قبل المستوطنين، قبل أن يتمكن من الهروب منهم للمرة الأولى في 12 أكتوبر 2023. تصوير: عمري إيران فاردي.

اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي ومن معها من المستوطنين عائلة فلسطينيّة حاولت الفرار. ويروي عيران-فاردي قائلاً: “لقد أخرجوا الأسرة [الفلسطينيّة] من السيّارة، ووضعوا الذكور الخمسة، بينهم صبيّان، على الأرض منكفئة وجوههم على الحصى”. اقترب عيران-فاردي منهم للاستفسار عمّا يحدث، فردّ عليه أحد الجنود بلكمة على أنفه كما يروي، وسط ادّعاء أحد المستوطنين بأنّ القرويين يؤيدون حماس، ثم قيّد جنود يديّ عيران-فاردي وأخذوا كاميرته.

بعد ذلك، اقتاد مجموعة من الرجال الصحفي وناشِطَين إسرائيليين آخرين إلى منازل أحد السكان وهدّدوهم قبل أن يُطلقوا سراحهم. يتذكّر عيران-فاردي كلمات أحدهم: “عليكم أن تشكرونا لخروجكم من هنا أحياء، وألا تعودوا إلى هنا مجددًا”، ثم أضاف: “إن رأيتكم مجددًا سأقتلكم”. 

في رد مكتوب على “فوربيدن ستوريز” وشركائها، قال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي إنه خلال نشاط وحدة الحدود الصحراوية، “وقعت عدة حوادث أخلاقية وعملياتية حساسة، تصرف فيها الجنود بما يتعارض مع قيم الجيش الإسرائيلي”.

اليوم وقد أصبح وادي السيق خاليا من السكان، تظهر الصور -التي نشرها مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة (B’Tselem) وشاركها المركز مع منظّمة “فوربيدن ستوريز”- حطاماً وركاماً منتشراً في أنحاء المكان، وألواحاً شمسيّة محطّمة وأسقفاً من الصفيح المموج المتداعي تحت أشعة الشمس الحارقة. أما عن المدرسة الممولة من الاتحاد الأوروبي، التي كانت تستقبل يوماً 120 طفلاً يتوافدون إليها من مختلف أنحاء المنطقة، فقد سُيّجت من الخارج، وانقلبت مكاتبها وطاولاتها وكراسيها في فوضى عارمة من الداخل.

الأضرار التي لحقت بمجتمع ومدرسة وادي السيق خلال وبعد الغارة. تصوير: ساريت ميخائيلي/بتسيلم

تلتقط الصور الواقع الجديد للمجتمع بعد أشهر من تصوير عيران-فاردي لعملية الإخلاء. إذ تمكّن الصحفي من نقل تقاريره إلى ناشطين ثمّ شاركها لاحقاً مع صحفيين آخرين ومن بينهم منظّمة “فوربدن ستوريز”، وذلك قبل أن يجبره الجنود الإسرائيليون على حذف الصور من كاميرته. وتظهر في الصور الجرارات والشاحنات وسيارات الجيب وقت وصولها إلى التجمّع السكانيّ، فضلاً عن ظهور العائلات البدوية، التي كانت تنتظر بدء عملية الإخلاء. هذه الصور تُنشر اليوم لأوّل مرّة ضمن مشروع غزّة. 

إن مشروع غزّة هو تعاون عالميّ، بين 13 وسيلة إعلامية، حقّق في استهداف الصحفيين في غزّة، كما أكمل عمل الصحفيين الذين قُتلوا أو هُدّدوا في غزّة والضّفة الغربية منذ السابع من أكتوبر، عام 2023. 

وقد أخبر ما يقرب من عشرة صحفيين، من بينهم عيران-فاردي، منظّمةَ “فوربدن ستوريز” أن توثيق أو تغطية التوسّع الاستيطاني الإسرائيلي، المُجرّم بموجب القانون الدولي، وتدمير المجتمعات البدوية وعنف المستوطنين أصبح خطيرا للغاية. ووادي السيق هو أحد 18 تجمّعاً سكنيّاً أُجبر أهله على إخلائه منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزّة، وفقاً لبيانات مركز B’Tselem. وفي الفترة الواقعة بين تشرين الأول/أكتوبر 2023 وأيار/مايو 2024، قامت الأمم المتحدة بقياس 914 حادثة عنف قام بها المستوطنون ضدّ المجتمعات والممتلكات الفلسطينيّة في الضفّة الغربية، مقابل 790 حادثة خلال الفترة الزمنيّة نفسها من العام السابق، أي بزيادة قدرها 15 في المئة تقريباً. 

وقد قرّرت منظّمة “فوربدن ستوريز” وشركاؤها إكمال عمل الصحفيين بالضفّة الغربية، الخاضعين للرقابة أو الممنوعين من تغطية توسع المستوطنات والعنف المُمارس ضد المجتمعات الفلسطينيّة. واستعملنا في سبيل ذلك صور الأقمار الصناعيّة والأبحاث مفتوحة المصدر، بهدف رسم خريطة للتوسع في البنية التحتيّة الاستيطانيّة، وسط تصاعد العنف ضد الفلسطينيين؛ الأمر الذي نددت به الأمم المتحدة. ويشير تحليلنا إلى نمو البنية التحتية، بما في ذلك منطقة وادي السيق ومناطق أخرى قام الجنود والمستوطنون فيها بتهديد الصحفيين. كما تُظهر النتائج التي توصلنا إليها كيف يروّج المستوطنون لتوسعهم على صفحات الإنترنت، بما في ذلك إدراجهم للعقارات على موقع Airbnb، ونشرهم الفيديوهات على موقع يوتيوب، فضلاً عن منشورات مختلفة على وسائل التواصل الاجتماعيّ.

“يمكن أن يحدث هذا هذه الأيام إذا أردت الإبلاغ عن عنف المستوطنين المتزايد بشكل حاد في #الضفة_الغربية المحتلة في ظل الحرب في #غزة. العديد من الجنود هناك هم أنفسهم مستوطنون. “الصحفيون عمومًا غير مرحب بهم”، هكذا غرد المراسل جان كريستوف كيتزلر بعد أن تعرض هو وفريقه من شبكة الإذاعة العامة الألمانية ARD للتهديد والاحتجاز لأكثر من ساعة من قبل جنود إسرائيليين في نوفمبر 2023، جنوب مدينة الخليل الفلسطينية.

“تغيّر كل شيء في الضفّة الغربيّة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر… لم تعد هناك خطوط حمراء يقف عندها المستوطنون أو حتى أعضاء الجيش”. المصوّر الصحافي في وكالة الأناضول التركيّة للأنباء عصام الريماوي، في تصريح لمنظّمة “فوربدن ستوريز”.

أثر الحصى على الرمال

لقد ولد أبو بشار ذو الثمانية والأربعين خريفاً، وتربّى في وادي السيق، وُلِد لأسرة نزحت مرّتين، الأولى في 1948 والثانية في 1967، قبل أن تحطّ رحالها أخيراً في المنطقة. وأبو بشار، الذي كان يشغل سابقاً منصب رئيس القرية، مزارع بدويّ له قطيع من الأغنام وأربعة أطفال. وقد تحدّث مع “فوربدن ستوريز” عبر الهاتف قائلا: “كان الوادي أرضاً زراعيّة ومراعي ومروج.. لم تُثقل المشكلات حياتنا من قبل، كنا نأخذ الماء من الآبار ونزرع القمح والشعير وأمورنا بخير”.

طلاب في المدرسة الممولة من أوروبا في وادي السيق قبل الإخلاء. تصوير: أورين زيف/مجلة +972

طلاب في المدرسة الممولة من أوروبا في وادي السيق قبل الإخلاء. تصوير: أورين زيف/مجلة +972

إلا أنّه في شهر شباط/فبراير لعام 2023، اقترب مستوطنون من المجتمع البدويّ، بحسب ما يروي بشار، وهاجموا بعض أفراد المجتمع ملحقين أضراراً بالممتلكات. وبعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر، حاصر المستوطنون أنفسهم المكان. يصف أبو بشار الوضع حينها “بالجهنّميّ”. ثم أتى الجنود في 12 تشرين الأول/أكتوبر وأمهلوا المجتمع المحليّ ساعة واحدة للإخلاء. يتذكر أبو بشار حديث الجنود معه وقولهم: “غير مسموح لك بالذهاب إلى منزلك أو بأخذ سيارتك، ليس أمامك سوى أن تأخذ أطفالك ومواشيك وترحل من هنا سيراً على الأقدام”. 

وفي كانون الأول/ديسمبر 2023، أُجرِيَ تحقيق داخليّ أوقف الجيش الإسرائيلي على إثْره عمليات وحدة “حدود الصحراء”، وطرد خمسة جنود من المشاركين في التفكيك العميق لوادي السيق. قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إن الجيش سيقوم بالتحقيق في كل حادثة على حدة وستتخذ إجراءات تأديبية في كل حالة وفقا لما يقرره قادة الجيش.

غير أن منظّمة “فوربدن ستوريز” قد توصّلت إلى أن المستوطنين في هذه المنطقة، قد وسّعوا بنيتهم التحتيّة منذ ذلك الحين. إن صور أقمار صناعيّة أُخذت من Planet Labs وحللها جيك جودين الباحث في مجموعة “بيلينغ كات” المتخصصة في التحقيقات الاستقصائية مفتوحة المصدر، ثم تمّت مشاركتها مع “فوربدن ستوريز”، تُظهر أنّه منذ إخلاء وادي السيق قد بُني طريق طويل مرصوف بالحصى شمال البلدة مباشرة، طريق يؤدّى إلى العديد من المباني التي تبدو وكأنها بؤر استيطانيّة، وهي تجمّعات غير مرخّصة وغير قانونية بُنيت دون موافقة رسميّة من الحكومة الإسرائيلية. يقول جودين الباحث في مجموعة “بيلينغ كات” الاستقصائية مفتوحة المصدر: “تستمر البؤر الاستيطانيّة في النمو بمرور الوقت، ومن خلال مقارنة صور 4 نيسان/إبريل المأخوذة من Sentinel-2 مع تلك الحديثة التي تعود إلى 12 حزيران/يونيو نلاحظ ظهور مبانٍ جديدة قد شُيّدت في البؤر الاستيطانيّة”.

صور الأقمار الصناعية التي تظهر توسع البؤرة الاستيطانية شمال وادي السيق منذ 7 أكتوبر 2023 (يسار) حتى 13 يونيو 2024 (يمين). تصوير: جيك غودين/Planet

ووفقاً لعدد من وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإنّ هذه البؤرة الاستيطانيّة المُسمّاة “حفات ها مشوش” مملوكة لنيريا بن بازي، وهو مستوطن يخضع للعقوبات الأمريكية منذ شهر آذار/مارس. كما ذكرت صحيفة هآرتس في حزيران/يونيو أن بن بازي قد تلقّى مبلغ 3200 دولار من وزارة الزراعة الإسرائيلية؛ لدعم المشاريع الزراعيّة. وذكر سكّان وادي السيق الأصليين لمجلة +972 أن تجمّعهم السكنيّ قد تعرّض لهجوم من قِبَل مستوطنين أتوا من جهة مزارع بن بازي. (رفض بن بازي التعليق)

في الوقت نفسه، يخشى البدو الذين هُجّروا من المكان تدهور ظروفهم المعيشيّة خلال الأشهر المقبلة. إذ يتنقل أبو بشار منذ الإخلاء من مكان إلى آخر قرب مدينة رمّون شمال وادي السيق. وقد أُجبر اثنان من بين أطفاله الأربعة على ترك المدرسة، كما فقد حوالي 50 من أغنامه التي أخذها منه مستوطنون على حدّ قوله. 

يقول أبو بشار: “إن تلك الحياة التي عشناها في وادي السيق لم تعد ممكنة اليوم”.

أطفال في وادي السيق قبل الإخلاء. تصوير: أورين زيف/مجلة +972

«مستهدفون على الدوام»

في 19 شباط/فبراير لعام 2024، أخذ عمر أبو عوض، الصحفي ومدير مكتب تلفزيون فلسطين في أريحا، وهي القناة الرسميّة للسلطة الفلسطينية في الضفّة الغربيّة، سيارته واتجه إلى مكان بالقرب من وادي القلط، منطقة سياحيّة شعبيّة تقع خارج مدينة أريحا، بها منحدرات وتلال، برفقة طاقمه المؤلّف من المصوّر محمد زغب، والصحفية إلهام هديب والسائق سامر أبو سلمان. زيارة كان هدفها توثيق أنشطة المستوطنين. 

بعد أن قام الفريق باستكشاف الموقع الأول، اعترضت سيارتهم مجموعة من الرجال يحملون أسلحة ومعدّات واقية. غير أن طاقم تلفزيون فلسطين لم يتمكّن من تحديد ما إذا كانوا مستوطنين أم جنوداً. وعلى الرغم من أن السيارة كانت تحمل علامة “تلفزيون فلسطين”، إلا أنّ الرجال ما لبثوا وأن اتصلوا بالجيش الإسرائيلي الذي وصل إلى الموقع خلال فترة وجيزة. 

صرّح أبو عوض وزملاؤه إلى “فوربدن ستوريز” أنه بعد مصادرة هواتفهم، أخذ الجنود ثلاثة منهم إلى مركز التحقيق، حيث احتجزوا لمدة تسع ساعات من دون طعام أو ماء، وتعرّضوا للتعذيب وفق قولهم.  وبحسب ما يروي أبو عوض، فإنّ الجنود أجبروه على المشي معصوب العينين، فاصطدم رأسه بالحائط، ثم دفعوا به إلى أسفل الدرج. 

أطلق الجيش الإسرائيلي سراحهم في نهاية المطاف، إلا أنّ الحادثة قد هزت أبو عوض الذي يقول:  “نشعر أننا مستهدفون على الدوام.. أتذكر أنني قد ودّعت أطفالي وزوجتي يوماً قبل أن أُغادر إلى العمل، إذ إننا نواجه حوادث يوميّة تتمثل في إيقافنا وإطلاق النار علينا، بل والاعتداء من قبل المستوطنين”. 

في رد مكتوب، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي “فيما يتعلق بالادعاءات في منطقة وادي القلط في فبراير/شباط 2024، تمّ التحقق من هذه الادعاءات والجيش ليس على دراية بمثل هذه الحوادث”.

واستكمالا لعمل تلفزيون فلسطين، فقد حقّقت “فوربدن ستوريز” في أنشطة المستوطنين في منطقة وادي القلط، التي يخشى أبو عوض من تزايد خطورتها على الصحفيين الفلسطينيين. وبالاستعانة بالمصادر المفتوحة، ركّزت “فوربدن ستوريز” على مستوطنتين بالقرب من المكان الذي أُوقف فيه الصحفيون: متسبيه يريحو وفيرد يريحو. تُظهر صور الأقمار الصناعية لكبرى هاتين المدينتين، أي متسبيه يريحو، أن 19 مبنً قد بُني هناك منذ عام 2018، ومعظم هذه المباني قد شُيّدت في السنوات الأربع الماضية وفق جيك جودين، الباحث في ” بيلينغ كات”.

صور الأقمار الصناعية تظهر توسعة مستوطنة متسبي يريحو في الضفة الغربية. مصدر الصورة: خرائط حكومية إسرائيلية

تُعدّ المستوطنات، أي التجمّعات التي وافقت عليها الحكومة الإسرائيلية والمبنية على أراضي 1967، غير قانونيّة بموجب القانون الدوليّ. إذ تقول تارا فان هو، المحاضرة في كلية الحقوق بإسكس، والرئيسة المشاركة السابقة لمنظّمة الأعمال العالمية وجمعية الباحثين لحقوق الإنسان: “إن كل مستوطنة وكل بناء لمستوطنة، بل وكل تسهيل أو صيانة مستمرّة لمستوطنة، هي جريمة حرب”. 

على الرغم من ذلك، تستمر المستوطنات في الانتشار والتغلغل، بل وتُشيّد بؤر استيطانيّة غير قانونيّة، حتى بموجب القانون الإسرائيلي نفسه. فمنذ شهر تشرين الأول/أكتوبر؛ أحصت قناة الجزيرة 15 بؤرة استيطانيّة جديدة في الأشهر القليلة الأولى، التي تلت الحرب على غزّة. وبالعمل مع مشروف المصادقة العالمي، الذي تقوده “بيلينغ كات”، فقد حدّدت “سكريبس نيوز” و”بيلينغ كات” عشرات المواقع المنتشرة على امتداد الضفة الغربية مع طرق أو مبانٍ جديدة أو أراضٍ قد طُهِّرت بالقرب من المستوطنات أو البؤر الاستيطانيّة.

المستوطنات والبؤر الاستيطانية الإسرائيلية الأخرى في المنطقة، مع بنيتها التحتية المتنامية من 7 أكتوبر 2023 (يسار) إلى 13 يونيو 2024 (يمين). البيانات: السلام الآن. صور: جيك غودين/Planet

يبدو أنّ التوسع الاستيطانيّ جزء من خطط مستوطنة متسبيه يريحو طويلة المدى. ففي مقابلة أُجريت في الثامن من تشرين الأول/أكتوبر لعام 2023، تفاخر رئيس البلديّة أليزا بيليتشوفسكي “بالنمو الهائل” للمستوطنة، بما في ذلك تشييد مجمّع رياضي داخلي وحمام سباحة و365 منزلاً جديداً سيفتحون للسكن خلال السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة. ( لم تستجب بيليتشوفسكي لطلبنا الحصول على تعليق ولا أيّ من مطالبنا التي أرسلناها من خلال زوجها)

رئيسة بلدية متسبي يريحو، أليزا بيليتشوفسكي، تجلس على جرار. مصدر الصورة: مزراشي

ومنذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، تسعى مستوطنة متسبيه يريحو كذلك إلى تعزيز فريقها الأمنيّ شبه المحترف. إذ تدّعي الوحدة التي يديرها يهوشا شتراوس، مستوطن من متسبيه يريحو، في مقطع فيديو منشور على فيسبوك أنها قد اشترت أزياء من أمازون “لبناء جيش”. (تواصلنا مع شتراوس عبر فيسبوك، لكنه لم يرد. في رسالة بريد إلكتروني، قال متحدث باسم أمازون إن الشركة تلتزم “بجميع القوانين واللوائح في جميع الولايات القضائية التي تعمل فيها”، بما في ذلك قوانين التصدير. وأضاف المتحدث: “يشير هذا الفيديو إلى أن هؤلاء الأفراد لم يشتروا أيّ شيء سوى بعض الملابس”.)

مستوطن في متسبي يريحو، يهوشواع شتراوس، يدعي أنه اشترى زيًا عسكريًا من امازون. فيديو على فيسبوك.

يُظهر فيديو آخر المستوطنين يحتفلون بمعدّات الشرطة التي حصلوا عليها من ولاية فيرجينيا الأمريكية. كان المدعي العام لفيرجينيا جيسون ميارس قد طلب سابقاً من مكاتب عمدة المقاطعة، إرسال معدات لإسرائيل عام 2023. ذهبت المعدات إلى المستجيبين المدنيين الأوائل (على سبيل المثال، المسعفين المدنيين) ولم تتضمن أسلحة أو مدفعية. تشمل أمثلة المعدات المتبرع بها اللوازم الواقية مثل السترات الواقية من الرصاص، والخوذات، والسترات الواقية للكلاب، وحمايات الكوع/الركبة.

مستوطنو متسبي يريحو في مقطع فيديو يشكرون فيه سلطات إنفاذ القانون في فرجينيا. فيديو يوتيوب.

وقد أوضح جويل كارمل، عضو منظمة المجتمع المدني “كسر الصمت”، المؤلفة من جنود سابقين في الجيش الإسرائيلي، أنّ المستوطنات غالباً ما يكون لديها فرق من المتطوعين ممن لديهم إمكانية الوصول إلى السلاح، كما يتمتّعون بالحد الأدنى من التدريب الذي يمكّنهم من العمل “كفريق استجابة سريعة في حال تعرضت المستوطنة لهجوم”، مضيفاً أن ذلك يعني بالنسبة للسكان الفلسطينيين “أن الخط الفاصل بين المستوطنين والجنود الإسرائيليين قد أضحى غير واضح منذ فترةٍ طويلةٍ”، ومؤكّداً أنه خلال الحرب “قد مُحي هذا الخط بالكامل”. 

وفقا للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي فإنه على “اتصال دائم مع جميع فرق الدفاع المدني والمكونات المكملة التابعة له”، ولم يرد المتحدث على الأسئلة المتعلقة بمتسبيه يريحو.

الأعمال مستمرّة كعادتها

أما بالنسبة للمستوطنين فإن الأعمال مستمرة كعادتها، إذ عثرت “فوربدن ستوريز” على أربع عقارات على الأقل مدرجة حاليا على موقع Airbnb تحت ما يبدو وكأنه قسم فرعيّ قد بُني حديثاً في متسبيه يريحو، إحدى تلك الأماكن يديرها مستوطن يدّعي أنه يقدّم لضيوفه “ملاذاً هادئاً”، وقد علّق أحد ضيوفه السابقين بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر قائلا: “أوصي بشدة كل من يبحث عن تجربة رائعة ومضيف استثنائي بزيارة هذا المكان الجميل، المتمتع بإطلالات خلّابة على الجبال والبحر الأحمر”. (لم يعلق Airbnb أو Ero Rentals)

إحدى العقارات المعروضة على Airbnb في مستوطنة متسبي يريحو. مصدر الصورة: Airbnb

في أيار/مايو 2024، أعلنت مجموعة من المنظمات غير الحكومية عن شكواها القانونية ضد Booking.com لتأجير منازل في المستوطنات. واحدة من هذه المنازل، الواقعة في مستوطنة فيرد يريحو، تنص على أنه “لا يُسمح بدخول حامل بطاقة الهوية الفلسطينية”، وفقاً لـ”التوجيهات الأمنية”. في بيان، قال متحدث باسم Booking.com إن القائمة المعنية “تخضع حالياً للتقييم وفقاً لسياساتنا”، مضيفاً: “سيتمّ اتخاذ أيّ إجراءات ضرورية محتملة نتيجة لهذه العملية، التي لا تزال جارية”.

لقد أُدرج كلٌّ من Airbnb وBooking.com ضمن قائمة الشركات، التي قامت بشكل مباشر أو غير مباشر بتمكين بناء المستوطنات ونموها، بل قامت بتسهيل ذلك واستفادت مادّيّاً منه، بحسب ما تقول بعثة الأمم المتحدة الدولية المستقلّة لتقصّي الحقائق. 

إن هذه المستوطنات والشركات التي تُضفي عليها شرعيّة تمثّل بالنسبة للباحثة تارا فان هو تحدّياً طويل الأمد للسلام في المنطقة، وتُضيف: “ما لم نُجبر إسرائيل على تفكيك المستوطنات والانسحاب إلى حدودها، فلن يتحقق السلام في هذه المنطقة قطّ”. 

اقرأ أيضًا

FS_gaza_illu_presshouse
FS_gaza_illu_farhanaschool
FS_gaza_illu_khoubiza